الملف السياسي

رؤية عمان.. الأهداف والتطلعات

19 مارس 2018
19 مارس 2018

عوض بن سعيد باقوير -

صحفي ومحلل سياسي -

في ظل المتغيرات التي يشهدها العالم على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وفي ظل التحديات التي تواجهها الدول النامية على وجه الخصوص وفي ظل ما تحقق للسلطنة من منجزات تنموية عديدة خلال الأعوام السبعة والأربعين الماضية، في ظل النهضة المباركة التي قادها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - طوال ما يقارب الخمسة عقود الماضية، فان إنجازا كبيرا تحقق في كل المجالات، وهو ما يعتز ويفخر به المواطن العماني .

ولا شك أن الرؤية التخطيطية للمستقبل في أي بلد تحتاج إلى حشد كافة الطاقات الوطنية، ومن كل شرائح المجتمع حتى تكون المساهمة جماعية، خاصة وان رؤية عمان 2040 تحتاج إلى فلسفة المشاركة المجتمعية والعمل على تحقيق أهداف الرؤية المستقبلية، والتي تعتمد كما جاء في الأهداف على جملة من المعطيات منها أن هذه الرؤية هي مشروع وطني يمس كل شرائح المجتمع، وان هذه الرؤية تهدف إلى وضع السلطنة على مسار مستقبلي يضع في اعتباره المتغيرات والتحديات القادمة ويأخذ في الاعتبار المتغيرات الديموغرافية ونوع التعليم والرعاية الصحية وغيرها من المحددات الإنمائية التي حددتها الرؤية.

ولا شك أن محاور تلك الرؤية تتحدث عن عدد من المحاور منها الإنسان والمجتمع، وأيضا الاقتصاد والتنمية، والحوكمة والأداء المؤسسي، على اعتبار أن المواطن هو أساس التنمية وصانعها وهي ترجمة حقيقية لكل سنوات الخطط الخمسية التي نفذت في السلطنة خلال السنوات الماضية.

الطموحات والأهداف

لا شك أن الخطط الاستراتيجية عموما للدول تهدف إلى إيجاد آليات ترتقي بمستقبل المجتمع من خلال رؤية واضحة تستند على آليات التنفيذ وعلى طموحات الدولة في إيجاد تنمية مستدامة من خلال تفعيل القطاعات والموارد والانتقال إلى مسالة تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على مصدر وحيد كالنفط، ومن هنا يمكن الحديث عن التحديات التي تواجه الدول ذات الاعتماد على مصدر وحيد وكيف أن هذه الفلسفة الاقتصادية لم تعد تتماشى والمتغيرات الأخيرة، حيث أصبح النفط سلعة لا يعتمد عليها حيث عانت الدول النفطية، ومنها السلطنة من صعوبات كبيرة خلال السنوات الأخيرة، ومن هنا فان الرؤية المستقبلية لا بد أن تركز على مسألة تنويع مصادر الدخل، بحيث تكون البدائل واضحة كما حددتها خطة مبادرة تنفيذ ومختبراتها، التي تعمل على اكثر من مصدر كالسياحة مثلا، والقطاع اللوجستي، والخدمات، وغيرها من المصادر المتجددة. إن رؤية عمان 2040 تعد مشروعا وطنيا مهما، وهي لا تزال في مراحل الاستكشاف من خلال فرق العمل، ولا شك أن هناك دولا عديدة بدأت بنفس الخطط مما يعطي مؤشرا بأن هناك قلقا من التحديات التي كشفتها مسألة تدني أسعار النفط، علاوة على المؤشرات السلبية الدولية، ولعل في مقدمتها جودة التعليم الذي لا يزال دون الطموح قياسا بدول جنوب شرق آسيا على سبيل المثال. هناك أيضا التكنولوجيا، والتي سوف تساهم في الحد من اعداد الوظائف والعاملين في مجالات تتزايد خلال السنوات القادمة، وهذا تحد كبير للدول النامية بشكل خاص علاوة على ذلك فإن الزيادة السكانية التي تنمو بشكل اكبر تحتاج إلى وقفة خلال أي رؤية ومن خلال التخطيط المستقبلي . ومن هنا فان التحديات التقنية والانتقال إلى الحكومات الإلكترونية تحتاج إلى تغيير اجتماعي فكري من خلال التركيز على نوعية خاصة من التعليم التقني والفني، ليتماشى مع سوق العمل ومتغيراته خلال العقدين القادمين.

هناك متغير مهم يدخل في إطار التحديات وهو المتغيرات السياسية والتي تؤثر بشكل كبير على حركة المجتمعات والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وأيضا احتمالية نشوب الحروب في ظل الاحتقان السياسي في منطقة الشرق الأوسط، ومن هنا فان الحديث عن الاستقرار السياسي والأمني يعد متغيرا مهما في الرؤية العمانية التي يجري الإعداد لها في هذه المرحلة.

كيف تتحقق أهداف الرؤية؟

إن نجاح أي رؤية تحتاج إلى تخطيط واضح يضع في الاعتبار المتغيرات بشكل عام، وأيضا الطاقات والموارد، وكيف يمكن استغلال كل الظروف لتحقيق جملة من تلك الأهداف. وعلى ضوء التجارب في العالم، فان نجاح أي رؤية قد لا يعتمد على الظروف الداخلية فقط، فقد تلعب المنظومة الخارجية دورا في الدفع بتلك الرؤية إلى الأمام أو تؤثر عليها سلبيا، ونحن نتحدث عن عالم متغير.

فالأزمات الإقليمية تؤثر على أوضاع محددة خاصة على الصعيد الاقتصادي، فمستقبل النفط غير واضح مع التركيز من قبل الدول الكبرى على استخدام الطاقة المتجددة، حيث سيكون المستقبل للسيارات الكهربائية، كما أن التنافس الشرس على طرق المواصلات البحرية في المنطقة والقرن الإفريقي وجنوب شرق آسيا، سوف يضعف من القدرات التنافسية للدول ذات الاتجاه البيروقراطي والتعقيدات، ومن هنا فإننا ندعو دائما وحتى قبل بداية الرؤية أن يكون هناك استعداد منهجي وتغيير في السلوكيات الإدارية حيث التخلص من التعقيدات وتغيير القوانين فيما يخص الاستثمارات، وتجويد التعليم، بمعنى تهيئة الأرضية حتى تكون مخططات الرؤية مستندة إلى بيئة سليمة محفزة للقطاعات المختلفة، وأيضا خلق مناخ إيجابي لتسويق السلطنة سياحيا واستثماريا وصناعيا من خلال تلك المحفزات.

إن أي رؤية تخطيطية تحتاج إلى بيئة سليمة وإلى تشريعات مرنة وفي ظل المنافسة الشرسة سواء في مجال الطرق البحرية والموانئ وفي الاستقطاب من الدول فان التخلص من البيروقراطية يعد هو التحدي الأكبر ولا يمكن لأي رؤية أن تنجح في ظل هذه الأجواء التي لا تزال بعيدا عن التحفيز والمرونة قياسا بما يحدث في دول الأسيان والتي تعد ظروفها مقاربة إلى ظروف المنطقة وربما هي اقل موارد طبيعية لكن التخطيط هناك نجح لأسباب سلوكية وإدارة رشيدة للآليات والموارد والإنتاجية العالية للموارد البشرية. إن رؤية عمان 2040 يعول عليها الكثير كمشروع وطني يستهدف مستقبل السلطنة وأجيالها ومن هنا لابد من وجود شفافية في الطرح من خلال مناقشة الأهداف والمرئيات بكل وضوح حتى يمكن الوصول إلى الأهداف. ولا شك أن إشراك كافة فئات المجتمع يعد شيئا إيجابيا، كما حدث ذلك في برنامج تنفيذ، وألا تكون هناك مبالغة في تحقيق الأهداف، بل يكون الطرح واقعيا، وان هناك تحديات حقيقية، يمكن التغلب عليها أو على بعضها في ظل الظروف المحيطة، والتي تمت الإشارة لها، ولا شك أن التركيز على الإنسان كمحور للتنمية، هو هدف أصيل لفكر جلالة السلطان المعظم - حفظه الله ورعاه - منذ فجر النهضة المباركة، ومن هنا فان التركيز على هذا المحور يعد أمرا طبيعيا من خلال تنمية شاملة ترتقي بالإنسان العماني تعليميا وصحيا وفكريا على اعتبار أن الموارد البشرية هي التي تصنع التنمية المستدامة وهذا ما حدث في دول الأسيان خلال الخمسة عقود الماضية.

الرؤية والمستقبل

لا شك أن الرؤية تستهدف مستقبل السلطنة خلال عقدين من الزمن أي من عام 2020 وحتى 2040 من خلال جملة من الأهداف والطموحات والتي تجعل من السلطنة بلدا متطورا في كل المجالات وذات تنمية مستدامة، توفر الرفاهية لكل أبنائها من خلال آليات وخطط يشارك فيها المختصون وأصحاب الخبرة والرأي ومن خلال لجان متخصصة للوصول إلى الأهداف التي رسمتها الرؤية والتي سوف تنطلق عام 2020، ولا شك أن وجود الحراك المجتمعي وتواصل الاجتماعات سواء من اللجنة الرئيسية أو اللجان الفرعية، سيكون أمرا مساعدا لوضوح الرؤى وأيضا تكون الآليات والملاحظات وحتى النقد لبعض الجزئيات شيء مهم، للوصول إلى الأهداف الوطنية، ويبقي الحوار بين كل شرائح المجتمع هو أمر مهم لأن ذلك سوف يفرز أفكارا وتصورات لا شك أنها سوف تكون مفيدة، وحسب برنامج رؤية عمان 2040 فان هذا العام سوف يتم الإعلان عن التحضير والإعداد لعقد مؤتمر وطني وبمشاركه دولية، للإعلان عن الملامح الرئيسية للرؤية المستقبلية عمان 2040 مما يجعل هذا المؤتمر بمثابة الإعلان عن التحرك الفعلي والمساهمة المجتمعية والتعريف بهذه الرؤية الوطنية المهمة للرأي العام في السلطنة. ولا شك أن الآمال والطموحات كبيرة بالنسبة لهذه الرؤية، والتي يتطلع لها المواطنون لتحقيق الأهداف والمرتكزات والتي تجعل السلطنة في وضع مستقبلي إيجابي يتماشى مع أهدافها الوطنية، ومع تطلعات أبنائها لمواصلة المنجز الوطني وتحقيق المزيد من التميز في كل مجالات الحياة المعاصرة، واذا كانت الموارد الطبيعية سوف يكون لها دور كبير في نجاح الرؤية إن شاء الله فإن الموارد البشرية الوطنية سوف تكون الرهان المهم في نقل السلطنة إلى مستقبل متميز، وتنمية متجددة في ظل ظروف مواتية تعيشها السلطنة حيث الاستقرار السياسي والمجتمعي وسمعة السلطنة الدولية ذات الاحترام الواسع ووجود العوامل المختلفة التي تجعل من تحقيق أهداف تلك الرؤية أمرا متاحا.